تأثير غير مرئي:كيف تشكل السوشيل ميديا اختياراتك
كيف أصبحنا نُقاد دون أن نشعر؟
هل فكرت يومًا عندما قررت شراء ملابس معينة، أو ممارسة هواية جديدة، أو اتباع نمط حياة مختلف، أو حتى عندما بدأت تهتم بهدف معين في حياتك، أن هذا القرار قد لا يكون نابعًا منك فعلًا؟
في زمن السوشيال ميديا، أصبحنا محاطين يوميًا بآلاف الفيديوهات والإعلانات والصور التي تعرض حياة أشخاص يبدون وكأنهم يعيشون "بالشكل الصحيح".
قد نظن أن كل هذا لا يؤثر علينا، وأنه مجرد فيديو هنعمل ليه اسكرول عادي، لكن هل هذه هي الحقيقة فعلًا؟
إذا لم نكن نتأثر، فلماذا فجأة أصبحنا جميعًا نرتدي نفس الملابس، ونحب نفس الهوايات، ونشتري نفس المنتجات من نفس العلامات التجارية؟
الخوارزميات
خوارزميات الإنترنت دائمًا تقرّب لك المحتوى الذي شاهدته أو تفاعلت معه مسبقًا، وهذا يؤدي إلى تكرار نفس النوع من الفيديوهات والمعلومات، مما يزرع في داخلك أفكارًا ومعتقدات دون وعي أو اختيار حقيقي منك.
على سبيل المثال، قد ترى لعبة أو منتجًا ما لمرة واحدة، ثم تجد فيديوهات متكررة عنه تظهر لك باستمرار. وعندما يصادف أن تراه معروضًا للبيع، لن تتردد في شرائه، لأنك تشعر أن الجميع يستخدمه، وبالتالي هو الخيار "الصحيح" خصوصاً أن عقلنا يتأثر بتكرار حتي يصل للحد الذي يراه طبيعي.
المؤثرون
تأثير المؤثرين أصبح هائلًا، ويتم التعامل معهم من قبل البعض كما لو كانوا فوق البشر وأن ما يفعلونه هو الشئ الصحيح.
وهذا ما تستغله شركات التسويق، حيث يكفي أن يستخدم أحد المؤثرين منتجًا ما، حتى تزداد قيمته ويقبل عليه الناس باعتباره دليلًا على التميز والاختلاف.
لكن في الحقيقة، نحن لا نختلف، بل ننسخ، صرنا نبحث عن "الاختلاف" في نفس الأماكن التي يقلد فيها الجميع بعضهم. حتى فكرة التميز أصبحت سطحية وخالية من المعنى.
تأثير القطيع(herd mentality)
تأثير القطيع يعني أن الإنسان يتأثر بما يفعله الآخرون من حوله، ويسير في نفس الاتجاه حتى لو لم يكن مقتنعًا أو فاهم السبب.
قد تظن أن هذا لا ينطبق عليك، لكن دعنا نأخذ مثالًا بسيطًا: إذا طُلب منك حيوان يبدأ بحرف الألف، فغالبًا ستقول "أرنب" أو "أسد"، مثل معظم الناس، رغم وجود خيارات كثيرة أخرى.
هذه الاستجابة السريعة ناتجة عن التكرار والاعتياد، وليس عن التفكير الحر.
نفس الفكرة تنطبق على قرارات أكبر بكثير. لماذا يختار كثيرون تخصصات مثل الطب أو الهندسة؟ هل فعلًا هذه أحلامهم؟ أم لأن المجتمع زرع فكرة أن هذه المجالات وحدها دليل النجاح والتميز؟
الجمال والتسويق النفسي
حتى معايير الجمال أصبحت تُصنع على يد السوشيال ميديا.
أصبحنا نؤمن أن الجمال يقتصر على أنف صغير، وجه مشدود، وعيون واسعة. وكل من لا يندرج تحت هذه المعايير يُعتبر أقل جاذبية أو قبيح بمعني أصح.
شركات التجميل تستغل هذا الشعور بشكل مباشر، فتبني حملاتها التسويقية على خلق شعور بالنقص، ثم تعرض الحل في منتجها:
"لديك تجاعيد؟ استخدم الفيلر.
أسنانك ليست مثالية؟ اعمل ابتسامة هوليود.
شعرك ليس ناعمًا؟ جرب هذا المنتج."
بهذه الطريقة، تتحول ثقتك بنفسك إلى مشروع تجاري.
الضغط الاجتماعي والرغبة في الانتماء
واحد من أهم أسباب تقليد الآخرين هو الضغط الاجتماعي والرغبة العميقة في الانتماء.
الإنسان بطبعه كائن اجتماعي، ويبحث دائمًا عن القبول. لذلك، عندما يرى أن الآخرين يفعلون شيئًا ما، يشعر بالضغط ليفعل مثله، حتى لا يكون مختلفًا أو مرفوضًا دون إدراك منه.
لكن المشكلة تبدأ عندما نُخضع قراراتنا لهذا الضغط، ونضحي بقناعاتنا فقط لنشعر بأننا "مثلهم".
قد نظن أننا نختار بحرية وأننا هكذا مختلفون بقراراتنا ، لكن الحقيقة أن كثيرًا مما نفعله هو نتاج سعي غير واعٍ للانتماء، لا أكثر.
كيف أخرج من هذه الدائرة؟
خذ وقتك في اتخاذ القرارات. لا تتبع الموجة، بل اسأل نفسك: هل أريد فعلًا هذا الشيء؟ ولماذا؟
راجع دوافعك بصدق. الهواية التي تمارسها، هل تمارسها لأنك تحبها فعلًا؟ أم لأن الجميع يفعلها؟
كن واعيًا بالتأثيرات المحيطة بك. الوعي وحده كافٍ ليجعلك تتوقف وتفكر وتقاوم بدلًا من أن تنجرف.
الانتماء ليس خطأ، لكنه يجب أن يكون نابعًا من ذاتك، لا من محاولاتك لإرضاء الآخرين أو تقاليدهم ويجب أن تكون قراراتك مبنيه علي فهم وتجربه وليس نمط متكرر.
السؤال الحقيقي هو
لو لم تكن هناك سوشيال ميديا، من سنكون حقاً؟



مقال رائع واقعي جداً ، نحن استخدمنا سوشل ميديا بطريقة جداً خاطئه و لا أنكر حتى أنا تأثرت بذلك ، خاصة إذا أقاربي تحدثوا عن موضوع مثير للجدل في وقت معين وأنا استغرب فيقولون لي أنتِ من ( رفقاً بهم ) 0-0! هم بعمري و قريب فصار هالشيء مثل معيار إذا ما عرفتي عن موضوع معين أو لبس معين أو اكسسوار معين فأنتِ من رفقاً بهم أو ما عندك ذوق أو أنتِ قديمة والخ..) !!! ولا أنكر أن هذا الشيء يحز نسأل الله السلامة و العافية
مقال عميق ويلامس حقيقة نعيشها يوميًا بدون ما ننتبه! 👏
أحببت كيف ناقشتِ الموضوع من زوايا متعددة، وطرحتِ تساؤلات تخلينا نراجع قراراتنا ونفكر بوعي.
السطر الأخير تحديدًا خلاني أتوقف وأفكر: من سنكون فعلًا لو اختفت السوشيال ميديا؟
استمري، كتاباتك تُحفّز العقل وتفتح أبواب التأمل